الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
أنشد الغزنوي والثعلبي وغيرهما: وقيل: الوَصب التعب والإعياء؛ أي تجب طاعة الله وإن تعب العبد فيها.ومنه قول الشاعر: وقال ابن عباس: {واصبا} واجبًا.الفراء والكلبي: خالصا.{أَفَغَيْرَ الله تَتَّقُونَ} أي لا ينبغي أن تتقوا غير الله.ف {غير} نصب ب {تتقون}.قوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ الله}.قال الفراء.{ما} بمعنى الجزاء.والباء في {بكم} متعلقة بفعل مضمر، تقديره: وما يكن بكم.{مِّن نِّعْمَةٍ} أي صحة جسم وَسَعة رزق وولد فمن الله.وقيل: المعنى وما بكم من نعمة فمن الله هي.{ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضر} أي السّقم والبلاء والقَحْط.{فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} أي تضجون بالدعاء.يقال: جَأر يَجْأَر جُؤارًا.والجُؤار مثل الخُوار؛ يقال: جأر الثور يجأر، أي صاح.وقرأ بعضهم {عجْلًا جسَدًا لَهُ جُؤَارٌ}؛ حكاه الأخفش.وجأر الرجل إلى الله، أي تضرّع بالدعاء.وقال الأعشى يصف بقرة: {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضر عَنْكُمْ} أي البلاء والسقم.{إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} بعد إزالة البلاء وبعد الجؤار.فمعنى الكلام التعجيب من الإشراك بعد النجاة من الهلاك، وهذا المعنى مكرر في القرآن، وقد تقدّم في الأنعام ويونس، ويأتي في سبحان وغيرها.وقال الزجاج: هذا خاص بمن كفر.{لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ} أي ليجحدوا نعمة الله التي أنعم بها عليهم من كشف الضر والبلاء.أي أشركوا ليجحدوا، فاللام لام كَيّ.وقيل لام العاقبة.وقيل: {لِيَكْفُرُوا بما آتَيْنَاهُم} أي ليجعلوا النعمة سببًا للكفر، وكل هذا فعل خبيث؛ كما قال: {فَتَمَتَّعُواْ} أمر تهديد.وقرأ عبد الله: {قل تمتعوا}.{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي عاقبة أمركم. اهـ.
وقال حسان: والعليل وصيب، لكنّ المرض لازم له.وقيل: الوصب التعب، وصب الشيء شق، ومفازة واصبة بعيدة لا غاية لها.والجواز: رفع الصوت بالدعاء، وقال الأعشى يصف راهبًا: {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون وله ما في السموات والأرض وله الدين واصبًا أفغير الله تتقون وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون} لما ذكر انقياد ما في السموات وما في الأرض لما يريده تعالى منها، فكان هو المتفرد بذلك.نهى أن يشرك به، ودل النهي عن اتخاذ إلهين على النهي عن اتخاذ آلهة.ولما كان الاسم الموضوع للإفراد والتثنية قد يتجوز فيه فيراد به الجنس نحو: نعم الرجل زيد، ونعم الرجلان الزيدان، وقول الشاعر: أكد الموضوع لهما بالوصف، فقيل: إلهين اثنين، وقيل: إله واحد، وقال الزمخشري: الاسم الحامل لمعنى الإفراد أو التثنية دال على شيئين: على الجنسية، والعدد المخصوص.فإذا أردت الدلالة على أن المعنى به مبهم.والذي يساق به الحديث هو العدد شفع بما يؤكده، فدل به على القصد إليه والعناية به.ألا ترى أنك إذا قلت: إنما هو إله ولم تؤكده بواحد، لم يحسن، وخيل: أنك تثبت الإلهية لا الوحدانية انتهى.والظاهر أن لا تتخذوا، تعدى إلى واحد واثنين كما تقدم تأكيد.وقيل: هو متعد إلى مفعولين، فقيل: تقدم الثاني على الأول وذلك جائز، والتقدير: لا تتخذوا اثنين إلهين.وقيل: حذف الثاني للدلالة تقديره معبودًا واثنين على هذا القول تأكيد، وتقرير منافاة الاثنينية للإلهية من وجود ذكرت في علم أصول الدين.ولما نهى عن اتخاذ الإلهين، واستلزم النهي عن اتخاذ آلهة، أخبر تعالى أنه إله واحد كما قال: {وإلهكم إله واحد} بأداة الحصر، وبالتأكيد بالوحدة.ثم أمرهم بأنْ يرهبوه، والتفت من الغيبة إلى الحضور لأنه أبلغ في الرهبة، وانتصب إياي بفعل محذوف مقدر التأخير عنه يدل عليه فارهبون، وتقديره: وإياي ارهبوا.وقول ابن عطية: فإياي، منصوب بفعل مضمر تقديره: فارهبوا إياي فارهبون، ذهول عن القاعدة في النحو، أنه إذا كان المفعول ضميرًا منفصلًا والفعل متعديًا إلى واحد هو الضمير، وجب تأخير الفعل كقولك: {إياك نعبد} ولا يجوز أن يتقدم إلا في ضرورة نحو قوله: ثم التفت من التكلم إلى ضمير الغيبة فأخبر تعالى: أنّ له ما في السموات والأرض، لأنه لما كان هو الإله الواحد الواجب لذاته كان ما سواه موجودًا بإيجاده وخلقه، وأخبر أنّ له الدين واصبًا.قال مجاهد: الدين الإخلاص.وقال ابن جبير: العبادة.وقال عكرمة: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقامة الحدود والفرائض.وقال الزمخشري وابن عطية: الطاعة، زاد ابن عطية: والملك.وأنشد: أي: في طاعته وملكه.وقال الزمخشري: أوله الحداد أي: دائمًا ثابتًا سرمدًا لا يزول، يعني الثواب والعقاب.وقال ابن عباس، وعكرمة، والحسن، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، والثوري: واصبًا دائمًا.قال الزمخشري: والواصب الواجب الثابت لأن كل نعمة منه بالطاعة واجبة له على كل منعم عليه، وذكر ابن الأنباري أنه من الوصب وهو التعب، وهو على معنى النسب أي: ذا وصب، كما قال: أضحى فؤادي به فاتنًا، أي ذا فتون.قال الزمخشري: أو وله الدين ذا كلفة ومشقة، ولذلك سمى تكليفًا انتهى.وقال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى: وله الدين والطاعة رضي العبد بما يؤمر به وسهل عليه أم لا يسهل فله الدين، وإن كان فيه الوصب.والوصب: شدّة التعب.وقال الربيع بن أنس: واصبًا خالصًا.قال ابن عطية: والواو في وله ما في السموات والأرض عاطفة على قوله: {إله واحد} ويجوز أن تكون واو ابتداء انتهى.ولا يقال واو ابتداء إلا لواو الحال، ولا يظهر هنا الحال، وإنما هي عاطفة: فإما على الخبر كما ذكر أولًا فتكون الجملة في تقدير المفرد لأنها معطوفة على الخبر، وإما على الجملة بأسرها التي هي: إنما هي إله واحد، فيكون من عطف الجمل.
|